فصل: ذكر قتل دبيس بن صدقة بالتاريخ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر قتل المسترشد بالله وخلافة الراشد بالله

لما قبض المسترشد بالله أبو منصور بن الفضل بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد على ما ذكرناه أنزله السلطان مسعود في خيمة ووكل به من يحفظه وقام بما يجب من الخدمة وترددت الرسل بينهما في الصلح وتقرير القواعد على مال يؤديه الخليفة وأن لا يعود يجمع العساكر وأن لا يخرج من داره‏.‏

فأجاب السلطان إلى ذلك وأركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه ولم يبق إلا أن يعود إلى بغداد‏.‏

فوصل الخبر أن الأمير قران خوان قد قدم رسولًا من السلطان سنجر فتأخر مسير المسترشد لذلك وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه وفارق الخليفة بعض من كان موكلًا به وكانت خيمته منفردة عن العسكر فقصده أربعة وعشرون رجلًا من الباطنية ودخلوا عليه فقتلوه وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة ومثلوا به فجدعوا أنفه وأذنيه وتركوه عريانًا فقتل معه نفر من أصحابه منهم أبو عبد الله بن سكينة وكان قتله يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة وبقي حتى دفنه أهل مراغة‏.‏

وأما الباطنية فقتل منهم عشرة وقيل‏:‏ بل قتلوا جميعهم والله أعلم‏.‏

وكان عمره لما قتل ثلاثًا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا‏.‏

وأمه أم ولد وكان شهمًا شجاعًا كثير الإقدام بعيد الهمة وأخباره المذكورة تدل على ما ذكرناه‏.‏

وكان فصيحًا بليغًا حسن الحظ ولقد رأيت خطه في غاية الجودة ورأيت أجوبته على الرقاع من أحسن ما يكتب وأفصحه‏.‏

ولما قتل المسترشد بالله بويع ولده أبو جعفر المنصور ولقب الراشد بالله وكان المسترشد قد بايع له بولاية العهد في حياته وجددت له البيعة بعد قتله يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي القعدة وكتب السلطان مسعود إلى بك أبه الشحنة ببغداد فبايع له وحضر الناس البيعة وحضر بيعته أحد وعشرون رجلًا من أولاد الخلفاء وبايع له الشيخ أبو النجيب ووعظه وبالغ في الموعظة‏.‏

وأما جمال الدولة إقبال فإنه كان ببغداد في طائفة من العسكر فلما جرت هذه الحادثة عبر إلى الجانب الغربي وأصعد إلى تكريت وراسل مجاهد الدين بهروز وحلفه وصعد إليه بالقلعة‏.‏

  ذكر مسير السلطان سنجر إلى غزنة

في هذه السنة في ذي القعدة سار السلطان سنجر من خراسان إلى غزنة وسبب ذلك أنه نقل إليه عن صاحبها بهرام شاه أنه تغير عن طاعته وأنه قد مد يده إلى ظلم الرعايا واغتصاب أموالهم‏.‏

وكان السلطان سنجر هو الذي ملك غزنة وقد ذكرناه سنة تسع وخمسمائة فلما سمع هذه الأخبار المزعجة سار إلى غزنة ليأخذها أو يصلحه فلما سلك الطريق وأبعد أدركهم شتاء شديد البرد كثير الثلج وتعذرت عليهم الأقوات والعلوفات فشكا العسكر إلى السلطان ذلك وذكروا له ما هم فيه من الضيق وتعذر ما يحتاجون إليه فلم يجدوا عنده غير التقدم أمامه فلما قارب غزنة أرسل بهرام شاه رسلًا يضرع إلى سنجر ويسأل الصفح عن جرمه والعفو عن ذنبه فأرسل إليه سنجر المقرب جوهرًا الخادم وهو أكبر أميرعنده ومن جملة أقطاعه مدينة الري في جواب رسالته يجيبه عن العفو عنه إن حضر عنده وعاد إلى طاعته فلما وصل إلى بهرام شاه أجابه إلى ما طلب منه من الطاعة وحمل المال والحضور بنفسه في خدمته وأظهر من الطاعة والانقياد لما يحكم به السلطان سنجر شيئًا كثيرًا‏.‏

وعاد المقرب جوهر ومعه بهرام شاه إلى سنجر فسبقه المقرب إلى السلطان سنجر وأعلمه بوصول بهرام شاه وأنه بكرة غد يكون عنده وعاد المقرب إلى بهرام شاه ليجيء بين يديه وركب سنجر من الغد في موكبه لتلقيه وتقدم بهرام شاه ومعه المقرب إلى سنجر فلما عاين موكب سنجر والجتر على رأسه نكص على عقبيه عائدًا فأمسك المقرب عنانه وقبح فعله وخوفه عاقبة ذلك فلم يرجع وولى هاربًا ولم يصدق بنجاته ظنًا منه أن سنجر يأخذه ويملك بلده وتبعه طائفة من أصحابه وخواصه ولم يعرج على غزنة وسار سنجر إلى غزنة فدخلها وملكها واحتوى على ما فيها وجبى أموالها وكتب إلى بهرام شاه كتابًا يلومه على ما فعله ويحلف له أنه ما أراد به سوءًا ولا له في بلده مطمع ولا هو ممن يكدر صنيعته وتعقب حسنته معه بسيئة وإنما قصده لإصلاحه فأعاد بهرام شاه الجواب يعتذر ويتنصل ويقول إن الخوف منعه من الحضور ولا لوم على من خاف مثل السلطان ويضرع في عوده إلى الإحسان فأجابه سنجر إلى إعادة بلده إليه وفارق غزنة عائدًا إلى بلاده فوصل إلى بلخ في شوال سنة ثلاثين وخمسمائة واستقر ملك غزنة لبهرام شاه ورجع إليها مالكًا لها ومستوليًا عليها‏.‏

  ذكر قتل دبيس بن صدقة بالتاريخ

في هذه السنة قتل السلطان مسعود دبيس بن صدقة على باب سرادقه بظاهر خونج أمر غلامًا أرمنيًا بقتله فوقف على رأسه وهو ينكت الأرض بإصبعه فضرب رقبته وهو لا يشعر وكان ابنه صدقة بالحلة فاجتمع إليه عسكر أبيه ومماليكه وكثر جمعه واستأمن إليه الأمير قتلغ تكين وأمر السلطان مسعود بك أبه أن يأخذ الحلة فسار بعض عسكره إلى المدائن وأقاموا مدة ينتظرون لحاق بك أبه بهم فلم يسر إليهم جبنًا وعجزًا عن قصد الحلة لكثرة العسكر بها مع صدقة‏.‏

وبقي صدقة بالحلة إلى أن قدم السلطان مسعود إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فقصده وأصلح حاله معه ولزم خدمته‏.‏

ومثل هذه الحادثة تقع كثيرًا وهي قرب موت المتعاديين فإن كان دبيسًا كان يعادي المسترشد بالله ويكره خلافته ولم يكن يعلم أن السلاطين إنما كانوا يبقون عليه ليجعلوه عدة لمقاومة المسترشد فلما زال السبب زال المسبب والله أعلم بذلك‏.‏

في هذه السنة سير يحيى بن العزيز بن حماد صاحب بجاية عسكرًا ليحصروا المهدية وبها صاحبها الحسن بن علي بن تميم بن المعز بن باديس وكان سبب ذلك أن الحسن أحب ميمون بن زياد أمير طائفة كبيرة من العرب وزاده على سائر العرب فحسده العرب فسار أمراؤها إلى يحيى بن العزيز بأولادهم وجعلوهم رهائن عنده وطلبوا منه أن يرسل معهم عسكرًا ليملكوا له المهدية فأجابهم إلى ذلك وهو متباطئ‏.‏

فاتفق أنه وصله كتب من بعض مشايخ المهدية بمثل ذلك فوثق بما أتاه وسير عسكرًا كثيفًا واستعمل عليهم قائدًا كبيرًا من فقهاء أصحابه يقال له مطرف بن حمدون‏.‏

وكان يحيى هذا هو وآباؤه يحسدون أولاد المنصور أبي الحسن هذا فسارت العساكر الفارس والراجل ومعهم من العرب جمع كثير حتى نزلوا على المهدية وحصروها برًا وبحرًا‏.‏

وكان مطرف ظهر التقشف والتورع عن الدماء وقال‏:‏ إنما أتيت الآن لأتسلم البلد بغير قتال فخاف ظنه فبقي أيامًا لا يقاتل ثم إنهم باشروا القتال فظهر أهل المهدية عليهم وأثروا فيهم وتوالى القتال وفي كل ذلك الظفر لأهل البلد وقتل من الخارجين جمادى غفير‏.‏

وجمع مطرف عسكره وزحف برًا وبحرًا لما يئس من التسليم وقاتل أشد قتال فملكت شوانيه شاطيء البحر وقربوا من السور فاشتد الأمر فأمر الحسن بفتح الباب من الشاطيء وخرج أول الناس وحمل هو ومن معه عليهم وقال‏:‏ أنا الحسن‏!‏ فلما سمع من يقاتله دعواه سلموا عليه وانهزموا عنه إجلالًا له ثم أخرج الحسن شوانيه تلك الساعة من الميناء فأخذ من تلك الشواني أربع قطع وهزم الباقي‏.‏

ثم وصلته نجدة من رجار الفرنجي صاحب صقلية في البحر في عشرين قطعة فحصرت شواني صاحب بجاية فأمرهم الحسن بإطلاقها فأطلقوها ثم وصل ميمون بن زياد في جمع كثير من العرب لنصرة الحسن فلما رأى ذلك مطرف وأن النجدات تأتي الحسن في البر والبحر علم أنه لا طاقة له بهم فرحل عن المهدية خائبًا وأقام رجار الفرنجي مظهرًا للحسن أنه مهادنه وموافقه وهو مع ذلك يعمر الشواني ويكثر عددها‏.‏

  ذكر استيلاء الفرنج على جزيرة جربة

كانت جزيرة جربة من بلاد إفريقية قد استولت في كثرة عمارتها وخيراتها غير أن أهلها طغوا فلا يدخلون تحت طاعة السلطان ويعرفون بالفساد وقطع الطريق فخرج إليها جمع من الفرنج أهل صقلية في أسطول كثير وجم غفير فيه من مشهوري فرسان الفرنج جماعة فنزلوا بساحتها وأداروا المراكب بجهاتها‏.‏

واجتمع أهلها وقاتلوا قتالًا شديدًا فوقع بين الفريقين حرب شديد فثبت أهل جربة فقتل منهم بشر كثير فانهزموا وملك الفرنج الجزيرة وغنموا أموالها وسبوا نساءها وأطفالها وهلك أكثر رجالها ومن بقي منهم أخذوا لأنفسهم أمانًا من رجار ملك صقلية وافتكوا أسراهم وسبيهم وحريمهم والله أعلم بذلك‏.‏

  ذكر ملك الفرنج حصن روطة من بلاد الأندلس

في هذه السنة اصطلح المستنصر بالله بن هود والسليطين الفرنجي صاحب طليطلة من بلاد الأندلس مدة عشر سنين‏.‏

وكان السليطين قد أدمن غزو بلاد المستنصر وقتاله حتى ضعف المستنصر عن مقاومته لقلة جنوده وكثرة الفرنج فرأى أن يصالحه مدة يستريح فيها هو وجنوده ويعتدون للمعاودة فترددت الرسل بينهم فاستقر الصلح على أن يسلم المستنصر إلى السليطين حصن روطة من الأندلس وهو من أمنع الحصون وأعظمها فاستقرت القاعدة واصطلحوا وتسلم منه الفرنج الحصن وفعل المستنصر فعلة لم يفعلها قبله أحد‏.‏

  ذكر حصر ابن ردمير مدينة أفراغة وهزيمته وموته

و في هذه السنة حصر ابن ردمير الفرنجي مدينة أفراغة من شرق الأندلس وكان الأمير يوسف بن تاشفين بن علي بن يوسف بمدينة قرطبة فجهز الزبير بن عمرو اللمتوني والي قرطبة ومعه ألفا فارس وسير معه ميرة كثيرة إلى أفراغة‏.‏

وكان يحيى بن غانية الأمير المشهور أمير مرسية وبلنسية من شرق الأندلس ووالي أمرها لأمير المسلمين علي بن يوسف فتجهز في خمس مائة فارس وكان عبد الله بن عياض صاحب مدينة لاردة فتجهز في مائتي فارس فاجتمعوا وحملوا الميرة وساروا حتى أشرفوا على مدينة أفراغة وجعل الزبير الميرة أمامه وابن غانية أمام الميرة وابن عياض أمام غانية وكان شجاعًا بطلًا وكذلك جميع من معه‏.‏

وكان ابن ردمير في اثني عشر ألف فارس فاحتقر جميع الواصلين من المسلمين فقال لأصحابه‏:‏ اخرجوا وخذوا هذه الهدية التي أرسلها المسلمون إليكم وأدركه العجب ونفذ قطعة كبيرة من جيشه‏.‏فلما قربوا من المسلمين حمل عليهم ابن عياض وكسرهم ورد بعضهم على بعض وقتل فيهم والتحم القتال وجاء ابن ردمير بنفسه وعساكره جميعها مدلين بكثرتهم وشجاعتهم فحمل ابن غانية وابن عياض في صدورهم واستحر الأمر بينهم وعظم القتال فكثر القتل في الفرنج وخرج في الحال أهل أفراغة ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم إلى خيام الفرنج فاشتتغل الرجال بقتل من وجدوا في المخيم واشتغل النساء بالنهب فحمل جميع ما في المخيم

وبينما المسلمون والفرنج في القتال إذ وصل إليهم الزبير في عسكره فانهزم ابن ردمير وولى هاربًا واستولى القتل على جميع عسكره فلم يسلم منهم إلا القليل ولحق ابن ردمير بمدينة سرقسطة فلما رأى ما قتل من أصحابه مات مفجوعًا بعد عشرين يومًا من الهزيمة وكان أشد ملوك الفرنج بأسًا وأكثرهم تجردًا لحرب المسلمين وأعظمهم صبرًا كان ينام على طارقته بغير وطاء وقيل له‏:‏ هلا تسريت من بنات أكابر المسلمين اللاتي سبيت فقال‏:‏ الرجل المحارب ينبغي أن يعاشر الرجال لا النساء وأراح الله منه وكفى المسلمين شره‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في شوال زلزت الأرض بالعراق والموصل وبلاد الجبل وغيرها وكانت الزلزلة شديدة وهلك فيها كثير من الناس والله أعلم‏.‏